علينا أن نتوقف حالاً
مصنف فى :مقالاتعلينا أن نتوقف حالاً … يجب أن نعيد النظر في سياساتنا التخطيطية. من المخيف أن حكومة الكويت مازالت تخطط بنفس الاسلوب الذي مارسته خلال سنوات الطفرة أبان الستينات و السبعينات. يجب أن ندرك بأن النفط الخام و هو المصدر الرئيسي للدخل قد قارب على النفاذ و أننا لن نتمكن من المحافظة على مكانتنا كمركز عالمي لإنتاج الطاقة.
إن السياسات الأمريكية الأخيرة و التي قررت أن توقف اعتمادها على استيراد النفط ستقلل بشكل كبير الاهتمام الأمريكي بنطقة الخليج. كما أن الاكتشافات الهائلة من النفط الحجري ستمكن الولايات المتحدة من انتاج مليوني برميل نفط يومياً بحلول عام 2020م.
أضف إلى ذلك التصريحات الاسترالية و التي كشفت أن استراليا تمتلك احتاطي نفطي هائل سيجعلها قريباً في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية.
يشكل النفط نصف مدخول الناتج المحلي الكويتي و 95% من إجمالي الصادرات و 95% من إجمالي دخل حكومة دولة الكويت. الكويت تمتلك مخزون نفطي يعادل 101 بليون برميل، مما يعادل 7% من الإجمالي العالمي. بالإضافة إلى ما هو موجود ضمن المنطقة المقسومة و التي تتشارك بها مع المملكة العربية السعودية. علاوة أن هناك من يشكك في هذه الأرقام و يؤكد بأن المخزون الكويتي من النفط لا يتعدى 48 بليون برميل.
علماً بأن الكويت تنتج ما يعادل 25 مليون برميل يومياً فإنها تستهلك 900 مليون برميل سنوياً. و بالنظر إلى الخطط المستقبلية التي أعلنت عنها الحكومة و التي بموجبها تسعى لرفع طاقتها الإنتاجية من 2.5 مليون برميل يومياً إلى 4 مليون برميل يومياً. أي إنها ستنتج 1460 مليون برميل سنوياً. و بتاءاً على ما سبق فإنه من المعلوم بأن الكويت ستستنفذ مخزونها النفطي في فترة تتراوح بين 40 إلى 60 سنة. و هذه مدة قصيرة جداً بالنسبة لاعمار الدول و الأمم.
في عام 1957م. تم إجراء أول تعداد سكاني رسمي في دولة الكويت. و عندئذ بلغ عدد سكان دولة الكويت 206,473 نسمة في حين لم تتجاوز نسبة الغير كويتيين 45%. و في عام 2005 بلغ التعداد السكاني للكويت 2,213,403 نسمة و تجاوزت نسبة الغير كويتيين الـ 61%.
إن النمو الهائل الذي حدث خلال الستون السنة الماضية و الذي ضاعف السكان سبعة أضعاف يعود إلى الطفرة الاقتصادية و السياسات التنموية الحكومية و الصرف الكبير و فرص العمل الجاذبة و الرفاهية التي ينعم بها المواطنون و المقيمون.
و قد صاحيب هذا النمو الكبير للسكان نمواً للمساحة العمرانية، التي تمددت بسرعة خارج أسوار مدينة الكويت و غطت ما يسمى اليوم المنطقة الحضرية و التي بلغت مساحتها 810 كم مربع. و عليه نجد أن عدد السكان في دولة الكويت قد تضاعف عشرة أضعاف بينما المساحة العمرانية تضاعفت مائة ضعف. و هذا أمر غريب يستدعي وقفة للتفكٌر.
لا شك أن نسبة كبيرة من هذا النمو تعود للتطور العمراني و البنى التحتية الحديثة و المتطلبات الفنية و الهندسية للطرق و شبكات الكهرباء و الماء و المجاري و المنشآت و المرافق الخدمية كالمدارس و المستوصفات و الإدارات الرسمية المختلفة علاوة على طبيعة المساكن و تغيير أنماط الأسواق و المحلات و أماكن العمل.
و لكن في هذا الوقت بالذات و نحن نرى بالأفق نضوب النفط و التحولات العالمية نحو مصادر أخرى للطاقة. مما يعني اقتراب نهاية حالة الرفاة التي عشناها و نعيشها. و بعد أن فشلنا حتى هذه اللحظة في تحقيق اقتصاد متنوع ناجح بامكانه أن يعوض جزءأً من مداخيل النفط … و كما نرى من المعطيات الحالية فإن الوضع الإداري للدولة لا يبشر بأي تغيير قد يحدث قريباً في هذا المجال … لذا علينا أن نتوقف و أن نعيد النظر في سياساتنا العمرانية.
يجب أن نخطط بكفاءة للمائة سنة القادمة. علينا أن نتهيأ لمرحلة ما بعد النفط. عندئذ لن نتمكن من دعم الكهرباء و لا دعم اسعار وقود السيارات و لن يتمكن الكويتي من الاعتماد المريح على سيارته الخاصة. عندئذ لن نتمكن من تحلية هذه الكميات الضخمة من المياه التي نعتمد عليها للشرب و الغسيل. كما لن نتمكن من العيش في هذه البيوت الكبيرة ذات التكلفة التشغيلية العالية التي لا نشعر بها حالياً.
في المستقبل ستهاجر العمالة الأجنبية لإننا لن نكون بحاجة لها، و لن نتمكن من دفع أجورها. و عندئذ ستخلو المناطق السكنية و لن نحتاج للمدن الجديدة المتناثرة. عندئذ نود لو تمكنا من قضاء حوائجنا مشياً على الأقدام. و سنتمنى لو امتلكنا نظام نقل (مترو) ذو كفاءة.
علينا أن نوقف عملية النمو المتطرد. يجب أن نوقف هدر الأراضي و أن نخطط بكفاءة و ذكاء و حرص. . يجب أن نفكر بجدية. ليس أمامنا سوى إقامة مدن صغيىرة و التخطيط لمركزية قوية و تخطيط مناطق ذات كثافات عالية و القناعة بمنازل أصغر حجماً و أكثر ملائمة لبيئتنا الخاصة.
أمامنا الكثير من القرارات الصعبة و لكن لا بد منها للاستعداد للمستقبل الحتمي.