حلحلة “شــــرق”
مصنف فى :مقالاتمدينة الكويت القديمة مُقسَّمة إلى ثلاثة أحياء رئيسية وهي: شرق، وقبلة، والمرقاب، وفي فترة الستينات وبعد التنظيم العمراني الحديث، احتلت منطقة “قبلة” مكانة أساسية؛ لأنها كانت منطقة تجارية للمكاتب، ومحلات البيع بالتجزئة في شارع فهد السالم، بينما حافظت منطقة “شرق” على طابعها السكني وكثافتها المنخفضة، فمن الشمال تحدها منطقة الأسواق القديمة ومن الغرب تحدها المنطقة الحرفية الصناعية، وفي الشرق منها منطقة سكنية ذات كثافة منخفضة حيث البيوت العربية التقليدية ذات المساحات التي تتراوح بين الـ ٢٥٠ إلى ٥٠٠ متر مربع تقريباً.
في عام ٢٠٠٢م وبعد انتهاء حرب العراق وإسقاط النظام البائد، تفاءل السوق الكويتي وأصبحت الكويت مستعدة لنهضة اقتصادية وعمرانية جديدة، وكالعادة كان قطاع العقار هو أكثر القطاعات نشاطاً، وبدأ المطوِّر الكويتي يبحث عن الفرص، ولكنَّ شُحَّ الأراضي، ومعوقات التنمية، وغلاء أسعار الأراضي، حالت دون إعادة تنمية منطقة “القبلة”، ما أدى إلى توجُّه الأنظار إلى منطقة شرق.
وتجاوب المجلس البلدي بتعديل استعمال بعض العقارات في منطقة شرق (المقوع الشرقي) إلى استعمال تجاري مع المحافظة على نسبة الاستثماري، كما سمح للمطوِّرين العقاريين بشراء نسب بناء إضافية من بلدية الكويت لفترة محدودة، بالإضافة إلى القرارات الحديثة التي سمحت بإطلاق الارتفاعات.
وازدهرت “شرق” وأُقيمت عليها مشاريع نوعية: كبرج الحمراء، وأبراج الراية، والعوضي، و مزايا، وغيرها، وحالياً يُنشأ المقر الرئيسي للبنك الوطني، ومشروع العاصمة التي تُعد معالماً معمارية أخرى تُجمِّل أفق مدينة الكويت.
ولكن ما نراه اليوم بأنَّ “شرق” تُعاني من مشاكل عمرانية مزمنة تؤثر سلباً على جودة مشاريعها، وتَحدُّ من نجاح بيئة الأعمال فيها، وهذا بلا شك يرجع إلى ضعف التخطيط العمراني المسبق، ورضوخ المُخطِّط إلى ضغوط السوق، ومُطالبات المطورين الباحثين عن الربح السريع، وإنَّ هذا التَّحوُّل السريع وغير المدروس أدَّى إلى ظهور مجموعة من المشاكل، منها:
– الاكتظاظ المروري في طرقٍ لم تكن مُصمَّمة لاستيعاب هذه المساحات التجارية الكبيرة.
– نقصٌ شديدٌ في مواقف السيارات أدى إلى فوضى عارمة في وقوف المركبات، وإعاقة الطرق، والأرصفة، وتشويه المنظر الجمالي العام للمدينة.
– ضعفٌ شديدٌ في تحقيق التوازن بين الاستعمالات العمرانية، وأهمها إيجاد مساكن للعاملين في مدينة الكويت.
– عدم وجود شبكة مُشاة متصلة وآمنة؛ حتى تعمل على تشجيع المشي، وحِفْظ سلامة المشاة وكرامتهم.
– غياب الساحات العامة المفتوحة والمصممة بعناية، والتي توفر متنفَّساً لسكان المدينة.
– ضعف التناغم بين الاستعمالات والأحجام مما يشوه المنظر العام والنسيج العمراني.
“شرق” جزءٌ حيويٌّ من مدينة الكويت العاصمة، وتضمُّ اليوم معالمَ معماريةٍ رائعةٍ، ومجموعةً كبيرةً من الشركات الرائدة، ومواقعَ مميزةٍ لذوي الأعمال الصغيرة تحديداً، كما أنَّها تضمُّ ثلاثة طرق رئيسية، هي شارع الشهداء، وشارع جابر المبارك، و شارع أحمد الجابر، وهي شوارع حيوية تمتلك عناصر النجاح، ويُمكن أن يكونوا معالم حضارية نابضة بالحياة متى ما أُحْسِن تخطيطهما.
لذا لابد من إعادة حلحلة “شرق” ودراستها بعناية؛ لأنَّها قابلة للتطوير بما يحفظ مشاريعها، وبيئتها، ويحضِّرها للمستقبل، ولكن إذا تُركت للصَّدف فإنَّها ستُقْبل على كارثةٍ عمرانيةٍ، وستكون الحياة بها لا تُطاق.