أرشيف الوسم: عمران

تَسلُّط البيروقراطيةِ … في مدينةِ البُعدِ الواحدِ

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 678 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 24 يوليو 2018
الرابط الدائم لـِ تَسلُّط البيروقراطيةِ … في مدينةِ البُعدِ الواحدِ

البيروقراطيةُ في مدينة البُعد الواحد مصيبةٌ، فبينما البيروقراطية لُغوياً تعني ذلك الجهاز الحكومي الإداري غير المنتخب والذي يُدير ويضع السياسات العامة في مدينةٍ أو دولةٍ ما.  إلا أنَّها مجازياً تعني التضخُّم، والتعقيد، والغموض، والجمود والانغلاق، والبطء.

إنَّ كلَّ مدينةٍ ذات مشروعٍ تنمويٍّ ورؤيةٍ مستقبليةٍ، لا يمكنها أن تنجح مع تجاهل هذا المرض المقيت الذي يقتل الطموح، ويعرقل التطور، ويُعيق نجاح الأعمال.

 

إنَّ البيروقراطية تهدر الوقت والجهد، فكلُّ عملٍ تجاريٍّ أو مؤسسيٍّ، له وظيفةٌ أساسيةٌ، وأعمالٌ مكمّلةٌ ثانويةٌ. و في الظروف المثالية يجب أن لا يتجاوز المجهود المبذول في الأعمال الثانوية نسبة الـ 20%، فعلى سبيل المثال يجب أن يبذل المكتب الهندسي 80% من وقت موظفيه، وصرف موارده على التصميم الهندسي، وتطوير الأداء، وتحسين العمليات، وكلما تناقصت هذه النسبة لصالح الأعمال الثانوية: كالمعاملات الحكومية، و إجراءات التراخيص و خلافها، انخفضت جودة المنتج، وتعرض العمل لخسائر ماديةٍ.

 

و من جهةٍ أخرى، فإنَّ البيروقراطية تؤدي للغموض، فالمدن البيروقراطية لديها خططٌ لا يُعلن عنها، والتي يُعلن عنها لا تُطبَّق في توقيتها، وكثيرٍ من المناقصات تُطرح ويتأخر صدور قرارات ترسيتها، وإنَّ العديد من العقود التي أَرْسَت يتأخر توقيع عقودها لفتراتٍ طويلة، فكيف يمكن لقطاع الأعمال أنْ يتعايش في ظل بيئةٍ يسودها الغموض، فالغموض يَحول دون إمكانية استشراف المستقبل، وتخصيص الموارد البشرية والمادية اللازمة مع المحافظة عليها.

 

 

البيروقراطية تجعل المدن مغلقةً، و تفرض قوانين مقيدةً على الإقامة والعمل، كما أنَّ الحكومة في مدينة البُعد الواحد تتدخل بشكل كبير في تفاصيل غير مجدية لا يجب أن تعنيها، فالهيئات الحكومية أصبحت تُقدِّر العَمالة والمهن بجمودٍ، وتَفصل في طبيعة العقود، وتتدخل في شكل التعاقد بين الموظف والشركة، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الاشتراطات التي تتطلب خبيراً متفرغاً، ومندوباُ حَذقاً، وعلاقاتٍ اجتماعيةٍ غنيةٍ ومتشعبةٍ حتى تتيح للشركة أن تمارس عملها بسلاسة.

 

البيروقراطية في مدينة البُعد الواحد، جامدةٌ وبطيئةٌ، فبينما يتسارع إيقاع الحياة، وتُقلِّص بيئة الأعمال الذكية الزمن والمسافة، تعملُ البيروقراطية عائقاً أمام السرعة وحاجزاً أمام التغيير،  فهي بذلك تفتقر للريادة، وتُضيِّع الفرص، وتطرد المبدعين.

 

إنَّ مدينة البُعد الواحد البيروقراطية، يحكمها غير الأكفّاء وغير المؤهلين، فالنظام البيروقراطي به طارد للأكفَّاء، ولا يستوعب الأذكياء والمبدعين والمخلصين.

 

وختاماً فالمدينة الطَّموحة يجب أن تُولِي أولوية كبيرة للقضاء على البيروقراطية الشائكة، وأن تسعى للشفافية، والانفتاح، والتسامح، وأن تُحارب الجمود، وتتأقلم مع الديناميكية الحميدة، وتُراعي المُضي بسرعةٍ تتلائم مع إيقاع الحياة العصرية.

The Role of Bureaucracy in the One-Dimensional City

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 703 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 24 يوليو 2018
الرابط الدائم لـِ The Role of Bureaucracy in the One-Dimensional City

Bureaucracy in the one-dimensional city proves catastrophic for a variety of reasons. Linguistically, bureaucracy refers to the unelected administrative governmental body that manages and makes policies in states and cities; while metaphorically, it denotes inflation, complexity, ambiguity, stagnation, obstinacy and sluggishness. Moreover, any city with a development project and future vision cannot succeed while ignoring this disease that kills ambition, impedes development and obstruct the success of businesses.

Bureaucracy wastes resources, time and effort. It is essential to note that every organization has main tasks and secondary supplementary activities. In ideal conditions, the effort spent on secondary tasks should not exceed 20%. For instance, a design firm must spend more than 80% of its time and resources on design, improvement of operations and production. The more this percentage decreases towards the secondary activities — such as governmental transactions, following up permits, etc. — the more the quality of the main product decreases, and the business suffers from financial losses.

Bureaucracy leads to ambiguity. Bureaucratic cities have unpublished plans, and those that are published are not accomplished on time. Further, many tenders are not awarded on time, and those that are awarded face prolonged delays. How can the private sector thrive in an ambiguous environment? Ambiguity deters future forecasting and the proper allocation of human and financial resources.

Bureaucracy leads to closed cities. It forces restricting laws for work and residency. Governments in One-dimensional cities intervene in unnecessary details. Governmental agencies estimate employees number, professions, review contracts and intercede in the type of contract between the employee and the employer. In addition to a long list of conditions and regulations that require a dedicated expert, a genius liaison officer and a rich and forked public relations to allow a business to conduct run smoothly.

In the one-dimensional city, Bureaucracy is rigid and slow. While life’s rhythm is speeding by, the smart business environment shrinks time and space. Indeed, bureaucracy is an obstacle in front of speed and a barrier to change. As such cities that suffer from bureaucracy cannot be pioneer any sector, waste chances and expel creative people and organizations.

The one-dimensional city is ruled by the incompetent and the unqualified. The bureaucratic system expels the competent and cannot absorb the smart, the creatives, and even more importantly, the sincere.

Finally, the ambitious city prioritizes the elimination of the thorny bureaucracy. To seek full transparency, openness, tolerance and the fight of stagnation. It must adapt to good dynamism and consider the need to progress at a speed that is adequate with contemporary life.

التَّنميط …. في مدينة البعد الواحد

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 1٬046 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 31 مارس 2018
الرابط الدائم لـِ التَّنميط …. في مدينة البعد الواحد

كما أشرنا في المقال السابق بأنَّ إجراءات الحداثة تقود نحو تحويل مدننا إلى ما يمكن أن نطلق عليه “مدينة البعد الواحد”، وأنَّ أحد مظاهر هذه المدن هو التَّنميط.

وإنَّ من دواعي الاستغراب أنَّ السوق اليوم يوفر خيارات غير محدودة من السلع والمنتجات، بينما المدن والمباني تتجه إلى توفير بديلٍ واحدٍ يُفرَض على الكل.

إنَّ التَّنميط والتَّشابه مذمومٌ، فمن غير المناسب أن تكون كلُّ الضواحي السكنية ذات شكل وتصميم واحدٍ، كما أنَّه من الضَّعف أن يكون المبنى العام الواقع في جنوب البلاد نسخةً مكررةً من ذلك الذي يقع في الشمال.

إنَّ أهمَّ أدوات مقاومة التنميط هو البحث عن روح المدينة والمحافظة عليه، و روح المدينة لا يتمثل فقط بالمحافظة على المباني التاريخية فقط، بل بالمحافظة على الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تتميز بها، وإنَّ روح المدينة متمثلةٌ بأفرادها، ولا يعني ذلك الجمود، بل يعني قدرة الأفراد على الإبداع وإعادة تفسير آخر الصرعات بما يتلاءم مع الحالة المحلية.

إنَّ محدودية الرؤية وضعف التفكير، يجعل الكثير من المدن تسعى للتحوُّل إلى مدنٍ مُعَولمةٍ، تعمل على نسخ تجارب تجارية يُظَن أنَّها ناجحةٌ، وهنا نرى على سبيل المثال تطابقاً أولياً واضحاً بين النماذج التطويرية في كلٍّ من دبي ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وخطط مدينة الحرير ومدينة نيوم.

إنَّ المدينة إذا وقعت في فخ التنميط فإنَّها تفقد قيمةً تنافسيةً مهمَّةً، وتضعف قدرتها على الجذب والتميُّز.

إنَّ كلمة السر هي “الإصالة”، وكَما أنَّ البشر بدأوا يفقدون الأصالة في حياتهم العامة، فإنَّه من الطبيعي أن تفقدها مُدنهم كذلك، فعندما نفقد اللهجة المحلية وتحلُّ محلها اللهجات المختلطة باللغات الأجنبية، وعندما يختفي اللباس المحلي الأصيل ويحلُّ مكانه أحدث صرعات الموضة، فمن البديهي أن تَتَسلل نماذج تطويرية غريبة إلى مدننا، وتهيمن عليها، ولكنَّ الموضوع يفوق مجرد المظهر، و كما تقول شارون زوكين “a city is authentic if it can create the experience of origins.” فإنَّ المدينة تكون أصيلة إذا استطاعت أن تخلق تجربةً أصيلةً”.

ويمكن للمدينة أن تحقق ذلك من خلال:

1 – المحافظة على المباني التراثية وإعادة إحياء المناطق التاريخية والتي تضم ذاكرةً قويةً ومعانيَ عميقةٍ، وقيمةً رمزيةً.

2 – المحافظة على الأحياء السكنية، وتمييزها عن بعضها البعض، وتأكيد الشخصية الخاصة لكلِّ واحدةٍ منها.

3- دعم الأعمال التجارية المحلية والعلامات التجارية المحلية وحمايتها وإبرازها.

4 -دعم المؤسسات الدينية والثقافية والتطوعية وتمكينها من الظهور في الأماكن العامة وممارسة أنشطتها.

5 -تعزيز الإبداع في الأعمال المعمارية وأعمال التصميم الحضري وتنسيق الحدائق، وتطوير فهمٍ عميقٍ يميِّز بين الشكل الحديث المجرّد من المعنى، والشكل الحديث المبدع الأصيل النابع من فكرٍ متجذرٍ في المكان والثقافة والباحث عن تحقيق الخصوصية.

مدينة البعد الواحد

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 1٬017 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 6 مارس 2018
الرابط الدائم لـِ مدينة البعد الواحد

مع الحداثة والتَّقدم تتبنى مُدنُنا نماذج عالمية في الإدارة والتخطيط، وتفقد الكثير من ميزاتها وتتحول تدريجياً إلى ما يمكن أن نطلق عليه (مدينة البعد الواحد).

ومدينة البعد الواحد مدينة شرسة تكون الحياة فيها قاسية، فيما يلي أتطرق لبعض صفاتها:

في مدينة البعد الواحد يكون الاقتصاد هو القائد، والمحرك، وهو المرجعية، ويؤكد على أسبقيَّة البعد المادي على الإنسان، وفي مدنية البعد الواحد يكون النُّمو الكمي هو الأهم، وتكون المصلحة المادية هي الأساس، وتتحول المدينة كلها إلى مصنعٍ منتجٍ، أو سوقٍ للاستهلاك، وتعمل يد الاقتصاد الخفية على ضبط إيقاع الحياة في المدينة، وفي هذه المدينة تُعطى الأولوية للعلاقات التعاقدية على العلاقات الإنسانية، وقد يظن الفرد في هذه المدينة أنَّه حرٌّ، حيث أنَّ مجال الاستهلاك واسعٌ، ولكنَّ الواقع يؤكد أنَّه مقيَّدٌ محدودٌ بالخيار الوظيفي إلى أبعد حدٍّ، غير قادر على النقد والاحتجاج وليس أمام الفرد سوى التَّكيُّف مع الأمر الواقع.

إنَّ مدينة البعد الواحد تسعى للتَّنمِيط في كل مناحي الحياة، وتلغي بالتالي شخصية الأفراد وهوياتهم الخاصة، وتؤمن بأنَّ هناك حلولاً علميةً وهندسيةً يمكن تعميمها على الجميع، وبالتالي فهي تحارب التَّميُّز والتَّفرُّد والتَّمييز، وتعرف ظاهرة التنميط ” بأنَّ كثير من المنتجات الحضارية تصبح متشابهة ونمطية؛ بسبب الإنتاج الصناعي السلعي الآلي الضَّخم … والتَّنمِيط في المنتجات الحضارية يُؤدِّي إلى تنميط في أسلوب الحياة العامة والخاصة”.*

فالتَّنمِيط بالتالي يقضي على الإنسان وحريته، والإنسان بطبيعته يحاول مقاومة إجراءات التنميط والاحتجاج عليها من خلال كسر القوانين واللُّجوء للعنف والإدمان وحتى الانتحار في بعض الأحيان !

والمدينة قد تسعى للتَّنمِيط تحت شعارات العدالة أو التنظيم، ولكنَّ الواقع يؤكد أنَّ التَّنمِيط هو أحد أدوات هيمنة السوق والاقتصاد وروح البعد الواحد على المدينة.

فمدينة البعد الواحد تتغول على المجال العام والخاص، وتعمل على تضييق مساحات حرية الأفراد، وتنحصر مجالات التعبير فيها على الاستهلاك، والتعبير عن الأملاك، ويتمُّ فيها تهميش الروحانيات والثقافة الرَّصِينة والتعبيرات السياسية والاجتماعية.

كما أنَّ من سمات مدينة البعد الواحد، تسلُّط البيروقراطية، حيث يتوه الإنسان بين مجموعةٍ متشابكةٍ من الإجراءات الدقيقة والمعقدة، ويشعر بأنَّه نكرةٌ غير قادرٍ على التَّأثير في المواقف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة به، ويشعر بالعجز التام إزاء ما يتعرَّض له من ظلمٍ، لا سيما عجزه في مواجهة هذه الإجراءات التي تعمل على هدر جهده ووقته في معاملات قد لا يدرك مغزاها، وتتفاقم معاناته وهو يرى وقته يضيع، مع أنَّه أثمن ما يملك.

ولعلِّي في المقالات القادمة أتطرَّق في تفصيلٍ أكثر لكلِّ سمةٍ من سمات مدن البعد الواحد.

 

*بعض الأفكار مستوحاة من كتب الدكتور عبدالوهاب المسيري.