القيادة وتعثر مسار التنمية
مصنف فى :مقالاتإن معظم المشكلات التي نواجهها في الكويت جذورها إدارية، والإدارة في جوهرها قيادة وتنظيم على مختلف المستويات، ومن دون إصلاح آليات اختيار القادة لن تتمكن الحكومة من تحقيق أهدافها التنموية. فعادة ما تواجه الحكومات تحديات كبيرة عند اختيار القيادات نظراً لشح الشخصيات المؤهلة، ونقص المختصين، وعدم وجود آليات سليمة للبحث واختيار القادة.
من جهة أخرى، يعزف الكثيرون عن قبول المراكز القيادية وذلك لعدم ملائمة بيئة العمل في القطاع الحكومي. فالقوانين مقيدة والحوافز محدودة. وقد نُشرت تقارير تفيد بوجود ما يفوق 1700 وظيفة إشرافية شاغرة في القطاع الحكومي، الأمر الذي يؤدي لآثار سلبية على الأداء الحكومي ومسار التنمية.
ومع الفراغ القيادي الواسع لدى الجهاز الحكومي، يتم تولية العديد من الشخصيات بشكل عشوائي إما نتيجة للأقدمية أو الواسطة أو المحاصصة، الأمر الذي يُعرض البلد لمخاطر كبيرة ويقود إلى مزيد من التخلف في كافة القطاعات.
إن شح الكفاءات لدى الأجهزة الحكومية عادة ما يُعجل بترقية المتميزين إلى وظائف إشرافية، الأمر الذي يستهلك طاقاتهم في متابعة المعاملات اليومية ويستدرجهم بعيداً عن ممارسة الأعمال التخصصية، ولا يستثمر مواهبهم في وضع الرؤى والخطط الإدارية مما يفقدهم الكثير من الفرص العملية الثمينة.
وقد أدى تفاوت الرواتب والكوادر المالية في القطاع الحكومي إلى توجيه المتفوقين لمجالات محددة ذات حوافز عليا، إلا أن هذه القطاعات لا تنتج بالضرورة شخصيات مؤهلة لتولي القيادة.
كما أن غالبية المشاريع الكبرى تتم من قبل شركات أو مستشارين أجانب، الأمر الذي يؤدي إلى حرمان الكوادر الوطنية فرصاً وخبرات ثمينة، إذ أن الاشراف ومتابعة المشاريع لا تمكن الكوادر من تحصيل الخبرات اللازمة.
إن الرغبة السريعة في إحداث التغيير، والتي تبدأ عادة بتغيير القيادات، تؤدي إلى صعود عديمي الخبرة والكفاءة وتقود لاتخاذ قرارات سريعة غير ناضجة قد تؤدي إلى كوارث على المدى الطويل. وإذا أردنا معالجة هذا الخلل الهيكلي فعلينا مراعاة التالي:
أولاً: اختيار ذوي الشغف الحقيقي بالمهنة والمجال والراغبين في تحسين حياة الناس عوضاً عن الباحثين عن المجد الشخصي، فإن ما دمر البلد هو تولية عديمي المبالاة.
ثانياً: اختيار المختصين والمثقفين والملمين بأحدث التطورات في مجالات عملهم. فالعلم لم يعد مجرد شهادة علمية، ووتيرة التغيير والتطور سريعة، وقليل هم من يواكبونها.
ثالثاً: اختيار الملمين بتاريخ التخطيط في دولة الكويت والمدركين لخصوصية البلد. فنحن لن نتقدم باستيراد نماذج عالمية أو إقليمية.
رابعاً: نعيش في عصر يحركه الاقتصاد، لذلك يجب تعيين المدركين لطبيعة المرحلة والتحديات الاقتصادية التي تواجه البلد.
ختاماً، بالرغم من مختلف التحديات التي تواجهها الحكومة والإخفاقات في مسار التنمية، فإن حسن اختيار القادة هو مفتاح الحل. ولن نتمكن من حسن الاختيار من دون وضع استراتيجية طويلة الأمد لإعداد القادة، ولا بد من تحسين أسلوب البحث وتوسيعه واستقطاب الكفاءات، ووضع آليات سليمة للاختيار والتعيين، وبالتوازي مع ذلك تهيئة البيئة المناسبة للقادة للعمل والإنتاج.