الرئيسية » مقالات / البيئة العمرانية في الكويت بعد الجائحة

البيئة العمرانية في الكويت بعد الجائحة

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 692 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 29 أغسطس 2020

لقد أثرت جائحة الكوفيد-19 على جوانب كثيرة من حياتنا، وكما هو الحال مع كل دول العالم، فقد كان للجائحة آثار سلبية على كافة القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في دولة الكويت، وتركت آثاراً بالغة على الأفراد والمؤسسات.

وبينما يتحرك العالم نحو التأقلم مع هذه الجائحة، وتتجه كافة المدن للانفتاح التدريجي والعودة المرحلية لأنماط الحياة السابقة، علينا أن نتوقف وندرس التجربة التي مررنا بها منذ فبراير 2020، وأن نصنع لأنفسنا مساراً جديداً لما بعد الجائحة.

ولعل من أهم الجوانب التي تحتاج إعادة النظر والدراسة هو النموذج الحضري الذي اعتدنا عليه. فعلينا أن ندرك أن تحديد النمط الحضري المستقبلي المناسب هو أهم خطوة نـحو تحقيق الرفاهية والاستدامة.

 

القيادة والإدارة

يجب أن يعطينا الوقوع المفاجئ للجائحة وما ترتب عليه من إجراءات درساً في أهمية اختيار القيادات والكوادر الإدارية العليا وفق مبدأ الكفاءة والاقتدار. ففي أوقات المحن، لا يمكن للدولة أن تواجه المصاعب إلا بفرق مؤهلة ذات علم، وخبرة، وإمكانات إدارية رفيعة.

ومن أهم دروس الجائحة هو الحاجة لوضع خطط طوارئ جاهزة مدعمة بإمكانات لوجستية تهيئ مدننا وضواحيها لمواجهة أي طارئ. وعلى غرار مدن العالم، يجب أن نكون مستعدين للأسوأ (Crisis-Ready). فعلى ما يبدو أن العالم متجه لفترة من انعدام الاستقرار والتغيير المستمر، وسيكون ذلك الوضع الطبيعي الجديد.

 

إعادة ترتيب الأولويات:

إن عوائد النفط الكبيرة منذ الاستقلال وحتى اليوم دفعتنا لإتباع منهجية تنموية خاصة شكلت البيئة الحضرية في دولة الكويت، وساهمت في خلق عادات استهلاكية معينة، وأسلوب حياة للمواطن الكويتي والخليجي بشكل عام، إلا أن الجائحة وبكل آثارها يجب أن تدفعنا نحو إعادة ترتيب أولوياتنا التنموية، وأن نعيد النظر بشكل جدي بعاداتنا الاستهلاكية كأفراد، وتحديد مناحي الإنفاق على المشاريع كحكومة. ولذا علينا مراعاة الآتي:

  • علينا أن ننفق بحكمة، وأن نفكر دوماً بالتكلفة طويلة الأمد للمشاريع الضخمة التي ننفذها.
  • يجب أن نولي اهتماماً أكبر بالمردود البيئي للمشاريع الحضرية التي ننشئها، وأن ندرك الثمن الباهظ للتمدد الحضري غير الضروري وما يصاحبه من الحاجة للاعتماد الكبير على المركبات الخاصة للتنقل، والتكاليف الجانبية الخاصة بخدمات الطاقة، والمياه، والبنى التحتية. وتأثير كل ذلك على بيئتنا الطبيعية (الصحراء والبحر)، والحال الذي ستكون عليه للأجيال القادمة.
  • ربما علينا أن نتجه نحو تطوير المساحات القائمة، والحرص على حسن استثمارها، عوضاً عن السعي نـحو مزيد من التمدد الحضري. فمن الأجدر بيئياً واقتصادياً أن نعيد توظيف الضواحي، بل والمباني القائمة لتكون ملائمة لاحتياجاتنا المستجدة بعد الكوفيد-19.

 

الأنظمة الذكية:

إن المدن التي وظفت الأنظمة الذكية قبل الأزمة الحالية استفادت من التقنيات لإدارة الإجراءات المصاحبة للجائحة. ولذلك، أصبح لزاماً علينا أن ندرس بشكل جدي تزويد مدننا بأنظمة ذكية تمكننا من تفعيل أحدث الحلول التقنية لإدارة الجوانب الأمنية، والنقل العام، وخدمات الطوارئ، والخدمات الترفيهية، وغيرها،  مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الحقوقية، والقانونية، وحماية خصوصية الأفراد.

إن التقنيات الحديثة وأدواتها يمكن أن ترفع من جودة الحياة في المدن، وأن تساهم بشكل فعّال في حماية الأفراد أثناء الطوارئ ومنها:

  • مشاركة كافة الأفراد في توفير المعلومات اللازمة التي تخدم الإدارات المعنية ومتخذي القرار (open Sharing).
  • استدراج الجهود المجتمعية للمساهمة في حل المشكلات محلياً متى ما برزت الحاجة لها.
  • دعم أنظمة التجارة الإلكترونية كعنصر اقتصادي هام، لاسيما بعد الكوفيد-19.
  • تفعيل دور وسائل التواصل الاجتماعي لخلق مجال عام إيجابي يعوض انحسار المجال التقليدي.

 

نموذج الكثافة السكانية وتركيبتها:

لقد صاحبت الجائحة مشاعر ذعر وخوف من الكثافة السكانية في المدن، وخشية من شح الموارد والخدمات الصحية، وحذر من الوضع الصحي في العشوائيات السكنية في خيطان، والجليب، وغيرها من المناطق.

وبعيداً عن الدعوات العشوائية لتخفيض عدد السكان والضغط على العمالة الوافدة، ومع الإقرار بوجود خلل في التركيبة السكانية، ونسبة كبيرة من العمالة الهامشية المستغَلة، وتجارة الإقامات المجرّمة، إلا أن تحديد تعداد السكان أمر في غاية التعقيد، ويحتاج إلى دراسة وخطة واضحة المعالم تعمل على تحقيق أعلى درجات المردود الاجتماعي والاقتصادي للبلد. وهنا يجب أن ننظر لإصلاح نوع التركيبة وليس فقط تعدادها.

 

جودة المساكن والضواحي الإسكانية:

تعتبر البيوت والمناطق السكنية هي المكون الأساسي لأي مدينة. لذلك، فالاهتمام بها أمر ضروري. ومع جائحة الكوفيد-19 وما صاحبها من حجر كلي ومناطقي، أصبح لزاماً علينا زيادة الاهتمام بتصميم المناطق السكنية، ورفع جودتها لتوفر أعلى معايير الرفاهية للسكان. لذلك، لا بد من رفع الاهتمام بمشاريع التصميم الحضري، وإجراء التدخلات الصغيرة للعمل على تحسين البيئات المحلية، ومنها:

  • لا بد من إعادة الاهتمام بالحدائق المحلية، وملاعب الشباب، والأطفال.
  • ولتشجيع رياضة المشي، وبناءاً على النموذج الناجح القائم في مناطقنا السكنية، علينا الاهتمام بممرات رياضة المشي، وتحويلها لحدائق ومنتزهات شريطية.
  • لاشك إن مؤسسات الجمعيات التعاونية كان لها دور إيجابي، وظهر ذلك جلياً خلال الجائحة، لذلك لا بد من دعمها، وتعزيز دورها في المناطق والضواحي، ودعمها لإنشاء مزيد من الخدمات الاجتماعية والتجارية لتحقيق شبه اكتفاء ذاتي مناطقي يحقق الاستقلالية، ويقلل من الحاجة للتنقل.

 

النقل العام :

جائحة الكورونا هزت أسس الخدمات الحضرية، وشككت الكثير من المهتمين بدور المدن، والكثافة السكانية، ووسائل النقل العام، وحيث أن متوسط الوقت الذي يقضيه الكويتي هو ساعة يومياً في رحلات التنقل من وإلى العمل، والدولة تصرف المليارات على تطوير شبكات الطرق السريعة والمحلية، وعشرات الملايين سنوياً على صيانتها.

وبعد الجائحة علينا إعادة تقييم نموذجنا التخطيطي، والبحث عن بدائل ذات جدوى، فالمدن العالمية تتجه نحو تحديث شبكاتها بما يتوافق مع أفضل النماذج الحضرية:

  • تطوير شبكات المشاة وتوسعتها بما يشجع المشي، ويحافظ على معايير التباعد الاجتماعي، ويحقق أعلى درجات الراحة والأمان لكل فئات المجتمع.
  • إعادة تصميم الطرق بحيث تستوعب حارات لسائقي الدراجات الهوائية بما يحقق أعلى درجات الراحة والأمان، وبالتالي تشجيع زيادة عدد سائقي الدراجات الهوائية.

 

  • تخصيص حارات خاصة لوسائل النقل العام مما يرفع من جودة الخدمة وكفاءتها.
  • زيادة الإنفاق على وسائل النقل العام بحيث تحافظ على جودتها، وتحقق معايير السلامة والتباعد المطلوب، وتحافظ على جذب المستخدمين من كافة الأعمار والفئات.
  • تشجيع العمل عن بعد لتقليل الحاجة للتنقل، وبالتالي تخفيف الضغط المروري.

 

الصحة والنظافة:

لقد أدركنا مع الجائحة أهمية الجوانب الصحية لمدننا وضواحيها، وإن كانت مواردنا المالية قد مكنتنا من تعيين أعداد كبيرة من العمالة للمحافظة على نظافة مدننا وضواحينا، إلا أن الجائحة وما تلتها من ظروف يجب أن تقودنا نحو السعي الجاد للتفكير بأساليب أكثر كفاءة للعمل على المحافظة على نظافة البيئة الحضرية. ومنها:

  • تغيير عاداتنا الخاصة، وأن نفرض عادات إعادة التدوير، وتقليل النفايات بقدر الإمكان.
  • علينا أن نشدد على العقوبات الخاصة بتلويث البيئة ورمي النفايات.
  • يجب أن نشجع الأفراد والمؤسسات للمشاركة في جمع النفايات، وإيجاد مواقع مركزيه ضمن القطع والضواحي للتخلص من النفايات، الأمر الذي سيخفض الأعداد اللازمة من العمالة وشاحنات النظافة، وسيخفض من التلوث وتكاليف عقود التنظيف.
  • حان الوقت للعمل على تصميم المناطق الجديدة، والعمل على تزويد المناطق القائمة بأنظمة آلية من شبكات تجميع النفايات، الأمر الذي سيخفض من التلوث، وسيقلل من الحاجة إلى العمالة وشاحنات النظافة، ويقلل من التلوث البصري الناتج عن حاويات القمامة.

بينما أثرت الجائحة على كافة جوانب حياتنا، فإنه من المهم أن نستلهم منها العبر ونخطط لمستقبل أفضل. وقد تضمن المقال سبعة مقومات لوضع أسس نموذج التخطيط الحضري في دولة الكويت لما بعد الجائحة. بداية من حسن اختيار القادة، وإعادة ترتيب الأولويات التنموية، وتطبيق الأنظمة الحضرية الذكية، ومعالجة التركيبة السكانية وتحسين البيئة الحضرية في المناطق السكنية، والعناية بالإدارة الصحية والنظافة. وبذلك نكون على استعداد لمواجهة التغيير الحتمي والتعامل مع أي طارئ.

+ وسوم الموضوع :

إكتب تعليقك