المساحات الخضراء … من الروضة إلى أبو حليفة
مصنف فى :مقالاتيُشكل التخطيطُ العمراني والحضري المدينة والحياة فيها. ويهدفُ التخطيطُ إلى بناء بيئةٍ صحيةٍ، وحياةٍ اجتماعيةٍ حيّةٍ، وأنشطةٍ اقتصاديةٍ ناجحة. ويُعتبر تخطيط استعمالات الأراضي أحد أهم أدوات مخططي المدن، والذي من خلاله يتم وضع التوجهات المنطقية والقانونية لتخصيص المُتاح من موارد الأراضي للاستعمالات، والوظائف المختلفة، وبما يتوافق مع الأهداف التنموية للمدينة أو الدولة.
لا شك أن تحقيق هذه الرؤى يتطلبُ ثقة بالمخطط، وثقة بالإجراءات التي من خلالها يتم اتخاذ القرارات التي تُحدد وتغير استعمالات الأراضي. وعلاوة على ذلك، يتطلبُ نجاح الخطط الحضرية قبول ودعم الشعب لها، وينبعُ هذا الدعمُ من مدى ثقافة ووعي عامة السكّان.
إن التخطيط مهمةٌ مهنيةٌ وعلميةٌ، وهي مهمةٌ رسميةٌ تقوم بها الدولة، كما توافقت على ذلك كافة المدن المتقدمة والناجحة، ويجب أن ندرك أن قوى السوق غير قادرة على إنتاج بيئةٍ حضريةٍ ناجحة، كما أن الأنشطة السياسية الصِرفة والفجّة عادة ما تكون غير قادرة على تدبير التنمية الحضرية.
وفي الفترة القريبة الماضية، حدث حدثان لفتا الانتباه، ووجدت أنهما يستحقا الوقوف عندهما. يتمثلُ الحدثُ الأولُ بقرار بلدية الكويت على تحويل منتزه أبو حليفة القومي إلى منطقة سكن خاص، تحت ضغط اهتمام السكّان بالقضية الإسكانية، وسعياً نحو توفير أكبر عددٍ من الوحدات. ويتمثلُ الحدثُ الآخر بسعي إحدى الجهات إلى إنشاء مبنى ضمن حديقة جمال عبد الناصر في منطقة الروضة، ولكن تم إيقاف إقامة المشروع، والفضل في ذلك يعودُ إلى التحركات الشعبية النشطة. وتُعد هذه القرارات أمثلة على السعي الدائم إلى تغيير استعمالات الأراضي، والتعدي على المساحات الخضراء المخصصةِ ضمن المنطقة الحضرية.
إن المساحات المفتوحة والخضراء في المدن والأحياء السكنية هي من أكثر الاستعمالات أهمية، وقد اشتهرت العديدُ من المُدن بحدائقها المهمة مثل حديقة الهايد بارك في لندن، والحديقة المركزية في نيو يورك، وحديقة بوكيت تيما في سنغافورة، وحديقة فينكس في دبلن، وغيرهما الكثير. وتميزت دولةُ الكويتِ بوجود مُخططاتٍ هيكليةٍ رائدةٍ عملت على تخصيص العديد من المساحات الخضراء، كما اهتم مخططو الضواحي السكنية الأوائل بتزويد الأحياء بمجموعة من الحدائق والمساحات الخضراء، كما اعتنت الهيئة العامة للزراعة والثرة والسمكية بتصميم وصيانة الحدائق العامة ـ إلا أنه لُوحظ في الآونة الأخيرة انحدار مستوى الاهتمام بالحدائق العامة رغم الحاجة إليها.
وهنا تجدر الإشارة إلى التأكيد على أهمية الحدائق والمساحات الخضراء في المدينة، والتي لها العديد من الفوائد، نذكر منها ما يلي:
– توفر الحدائقُ والمساحاتُ الخضراء فوائدا صحية عدة للسكّان، فهي تنقي الهواء، وتخفض من الضغوطات، وتشجع على ممارسة المشي، وشتى الأنشطة الرياضية.
– تعتبر الحدائقُ متنفساً للسكّان، وبالتالي تشجع على بناء مساكن أصغر حجماً، وبالتالي سيتقبلها السكان في حال كانت ذات إطلالات جميلة، وقريبة من الساحات، والحدائق، وملاعب الأطفال.
– توفر الحدائقُ والمساحات الخضراء فوائد بيئية أيضا، فزيادة أعداد الأشجار والنباتات يساعد على مقاومة ظاهرة الاحتباس الحراري، ويحسن جودة الهواء، ويخفض من درجات الحرارة.
وختاماً، آمل أن نرى اهتماماً وحرصاً بالغين بالمساحات الخضراء، ووعياً أوسع بدورها في تحسين البيئة العمرانية، ورفع جودة الحياة.