عواصفٌ موسميَّةٌ ومدنٌ ذكيّــــَةٌ
مصنف فى :مقالاتتعرَّضت الكويت وبعض بلدان الخليج العربي لموجة أمطارٍ غزيرةٍ استثنائيةٍ، حطَّمت المعدلات القياسية، وتركَّزت عند ساعات محدودة، وفاقت القدرة الاستيعابية لشبكات تصريف مياه الأمطار، الأمر الذي أدَّى إلى حدوث فيضانات في بعض الطرق والمناطق الحضرية، مما خلّف أضراراً جسيمةً في: الممتلكات الخاصة والعامة، وتسبَّب بشللٍ في حركة الناس والأعمال، وأدَّى إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة بلغت بحسب التقديرات الحكومية في دولة الكويت إلى 300 مليون دينارٍ كويتي.
فهذه المياه التي تسيل ويتم تصريفها باتجاه البحر، تجرف معها أنواعاً مختلفة من الجراثيم والبكتيريا والميكروبات، التي تؤدِّي إلى حدوث عددٍ من المشاكل البيئية والصحية، إلا أننا يجب أن ندرك بأنَّ المشكلة الأساسية تعود إلى التغييرات الجغرافية الكبيرة التي أحدثناها، والتوسُّع العمراني، والتَّعمير الذي غطَّى مساحات شاسعة من الأرض، إذ أنَّ تغطية مساحات واسعة بالإسفلت والبلاط والمباني والمنشآت أدَّى إلى إعاقة حركة السيول، ومنع امتصاص الأرض للمياه.
إنَّ الحلَّ التقليدي هو إنشاء شبكاتٍ فعَّالةٍ، وحفر أنفاق عميقةٍ، وخزَّانات تكلِّف ملايين الدنانير؛ لمعالجة هذه الظواهر الطبيعية، و لكن -كأي مشكلة معقدة- فإنَّ هذه الأمطار الموسمية تتطلب حلولاً وإجراءاتٍ مُركَّبةً، وهذه الإجراءات المُركَّبة قائمةٌ على ثلاثة محاور رئيسية: الوعي المجتمعي، واحترام البيئة الطبيعية، والتصميم الذكي.
الوعي المجتمعي:
لا يمكن إقامة مدينةٍ ذكيَّةٍ دون مواطنين أذكياء، فالمواطن الذكي يُعطي أولويةً للمحافظة على البيئة، وينشِّط حكومته ويساندها؛ من أجل تنفيذ مشاريع صديقة للبيئة، كما أنَّ المواطن الذكي يدعم خطط الحكومة في إنشاء مشاريع حديثة لتطوير شبكات الصرف، وغيرها من البنى التحتية الصديقة للبيئة.
المواطن الواعي فرداً كان أو مؤسسةً تجاريةً، لا يخرق القوانين و لا يرمي النفايات في شبكات الصرف، ولا مانع في أنْ يقوم المواطن في المساهمة في الحفاظ على البنية التحتية، وإبقائها نظيفةً وسليمةً.
احترام البيئة:
المدينة الذكية تحترم البيئة وتتكامل معها، والقرارات الاستراتيجية كتخصيص مواقع المدن يجب أن تراعي الطبيعة الطبوغرافيا، و مهما يكن الضغط السكاني والسياسي، فإنِّ بعض الأراضي يجب أن تترك خاليةً !
التصميم الذكي:
إن إقامة المدينة الذكية يبدأ من فكرة التصميم الذكي، المبني على المعلومات الدقيقة، والفهم العميق للموقع، والطبوغرافيا، والتاريخ، ويجب أن يتماشى شكل المدينة وتوزيعها مع طبيعة الأرض وميولها والممرات الطبيعية لمرور السيول، كما يجب أنْ تضم المدن فراغات كافية لتجميع مياه الأمطار، ومساحات خضراء مفتوحة تمكن التربة الطبيعية من امتصاص مياه الأمطار، وحتى ممرات المشاة المبلطة يجب أن تنفذ بأسلوبٍ يسمح لمياه الأمطار من المرور خلالها، ثمَّ الوصول إلى باطن الأرض، كما أنَّ المزروعات التجميلية يمكن تنفيذها بأساليب تسمح بمرور أكبر قدر من مياه الأمطار الفائضة إلى باطن الأرض، ومن الحلول أن تصمم ساحات عامة ذات ميول معينة وأحواضٍ تعمل على تجميع مياه الأمطار، وتسهِّل ترشيحها إلى قاع الأرض.
المدينة الذكية توظِّف أحدث الأنظمة التقنية لمراقبة البنى التحتية، ورصد الطوارئ، وتحديد مواقع الخلل في البنى التحتية.
واليوم (إنترنت الأشياء) وما يرافقها من أنظمة المعلومات الجغرافية التي تتيح مراقبة أداء الشبكات بل والتحكم بها بسهولة.
إنَّ التصميم المعماري الذكي يُراعي البيئة كذلك، وتكمن المشكلة اليوم في أن ما يقوم به المصممون هو دفع مياه الأمطار باتجاه الطرق أو الجيران، وهذا يزيد المشكلة سوءاً، أمَّا المباني الذكية الصديقة للبيئة تستعمل أسطحاً خضراء، وتعمل على تجميع مياه الأمطار، والاستفادة منها للمستقبل، أو على أقل تقدير إبطاء دفعها باتجاه الشبكة أو الشوارع، مما يُخفف من الأضرار أثناء فترات العواصف المطرية.
الإنسانُ قادرٌ على التَّأقلم مع الظروف الطبيعية، وإنشاء بيئةٍ مريحةٍ للعيش بأمانٍ وراحةٍ، كما أنَّ الأمطار الغزيرة يُمكن أن توفر فرصاً للاستفادة من المياه، و لكن لكي يتم تحقيق هذه الاهداف لا بد من رفع مستوى الوعي المجتمعي، وتحقيق احترام البيئة، وتصميم المشاريع بذكاء.