أرشيف الوسم: تخطيط

حريق المباركية ومدينة الكويت المجروحة

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 311 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 13 أبريل 2022
الرابط الدائم لـِ حريق المباركية ومدينة الكويت المجروحة

فجعت الكويت بحادث الحريق الذي وقع في سوق المباركية (وهو أهم سوق كويتي تراثي)، وقد جاء الحريق على جزء كبير من هذا السوق، وتسبب بأضرار لا يمكن استعادتها. وقد ترك هذا الحريق جرحاً آخراً في نسيج مدينة الكويت العاصمة التي نأمل أن يتم معالجته في أقرب وقت وفي أحسن شكل.

 

إن المخاوف التي تنتاب المهتمين بالتراث والعمارة هو إهمال معالجة آثار هذا الحادث المدمر، وأن تنال الموقع آثار البيروقراطية والإهمال، والأخطر من ذلك هو التفكير في وضع بدائل تقضي على ما تبقى من هوية هذه المدينة المجروحة.

تمتلك مدينة الكويت العاصمة مقومات حيوية، كان بالإمكان أن تجعل منها مركزاً حضارياً غنياً، إلا أن سوء التخطيط والجهل أديا إلى وضعها المتردي الذي نشهده اليوم. مدينة الكويت عاصمة دولة حديثة تمتلك موارداً ماديةً كان بالإمكان توظيفها لتكون العاصمة نموذجاً حضرياً استثنائياً.

فتمتلك مدينة الكويت ساحلاً غنياً ومجموعة من الموانئ (نقع) التي كانت تمثل شريان الحياة لأهلها جميعاً. إلا أنها لم تستثمر كما يجب. كما كانت المدينة مقسمة إلى ثلاثة مناطق مميزة، (شرق وجبلة والمرقاب)، والتي كان بالإمكان تعزيزها والمحافظة على الطابع الخاص لكل منها، إلا أن مشاريع التحديث العشوائية قضت على معالمها تماماً.

 

من جهة أخرى، فقد حثت المخططات الهيكلية الأولى على أهمية تطوير مدينة الكويت والمحافظة على ما تبقى من آثارها، وأوصت بضرورة المحافظة على كثافة الاستعمالات التجارية والخدمية، وأكدت على ضرورة الحد من المباني العالية، والأهم من ذلك، أوصت بضرورة رفع نسبة السكان المقيمين داخل حدود مدينة الكويت العاصمة لتحقيق التنوع المطلوب للاستعمالات.

ولكن، ومع مرور الزمن وغياب الرؤية، توالت على مدينة الكويت سلسلة قرارات تركت آثار سلبية على طابع مدينة الكويت، وتركت عليها جروحاً مزمنةً، منها:

  • بداية بقرار التثمين الأول الذي هدم أغلب البيوت التقليدية، وقضى على النسيج العمراني التراثي للمدينة.
  • كما نفذ مشروع الدائري الأول الذي أعطى الأولوية لخدمة المركبات الخاصة، تسبب بزراعة طريق سريع يقطّع أجزاء المدينة، ويخفض من درجة الوصولية. (Accessibility)
  • بالإضافة إلى ذلك، خلال السنوات القليلة الماضية، توالت قرارات إزالة مجموعة من معالم المدينة الحديثة نسبياً إلا أنها ذات قيمة معمارية ومنها السينما الحمراء، ومجمع الصوابر، وصالة التزلج، والآن قصر العدل، وغيرها.
  • علاوة على ذلك، التردد والإهمال لمساحات خالية واسعة ضمن حدود المدينة تحولت لساحات ترابية ومواقف عشوائية للسيارات، وساهمت بتشويه المدينة.

ولعل من دواعي تدهور مدينة الكويت، وتغير طبيعة استعمالاتها وكثافاتها هو فشل التخطيط الحضري العام للدولة. فعندما توسع السوق المحلي، وتضاعف الاستهلاك، ولم يجد السوق مجالاتٍ وفرصٍ للتمدد، سعت قوى السوق لفرض إعادة تشكيل مدينة الكويت، فظهرت الأبراج العالية والأسواق التجارية الضخمة وبالتالي برزت الحاجة إلى طرق أوسع، ومباني مواقف سيارات قبيحة أدت إلى تشويه المدينة وإفساد نسيجها.

 

لذلك، فإن علاج وتطوير مدينة الكويت لا بد أن يتم وفق رؤية شاملة للدولة، وأن يؤخذ بجدية، وأن ترصد له الموارد وتذلل له العقبات وأن ترشح له الفرق المتخصصة من ذوي الأمانة والكفاءة،. ولأنها مدينة الكويت العاصمة المجروحة لا بد أن تعالج.

الدور الرابع ونقطة اللا-عودة

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 715 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 15 أغسطس 2021
الرابط الدائم لـِ الدور الرابع ونقطة اللا-عودة

لقد كان تفاعل الناس قوياً مع قرار المجلس البلدي؛ للسماح بإضافة دور رابع لقسائم السكن الخاص التي تقل مساحتها عن 400 متر مربع. وقد عبر الغالبية عن استيائهم من هذا القرار، وإدراكهم للآثار السلبية التي ستترتب على إقراره وتطبيقه.

إن قراراً كهذا سيرفع من الكثافة السكانية داخل المناطق السكنية، ويشجع على زيادة تأجير الوحدات في مناطق السكن الخاص؛ وبذلك يعمل على ارتفاع أسعار العقار ومن ثم جعل امتلاك المسكن أكثر صعوبة. عوضاً عن زيادة الضغط على الخدمات العامة والمرافق، وتزايد الازدحام على الطرق الداخلية ومواقف السيارات.

ويجب علينا أن ندرك حجم التشويه الحاصل للبيئة العمرانية في الكويت، فوفق قانون 1985 كانت نسبة البناء للسكن الخاص 120% وبارتدادات كبيرة داخل حدود الأراضي لإتاحة المجال لوقوف السيارات، ثم في عام 1996 تم تقليص الارتدادات وزيادة نسبة البناء إلى 170%، ثم تم اتخاذ قرارا آخر في سنة 2006 لرفع النسبة إلى 210% و 240%، واليوم نحن بصدد زيادة أخرى وبشكل جديد.

ولكن القضية لا تقتصر على إضافة الدور الرابع، فأخشى أننا بلغنا نقطة -اللا-عودة- وأفسدنا نموذجاً عمرانياً كان الأكثر تقدماً بين مدن الخليج العربي. فمن المؤلم مشاهدة متخذي القرار يصدرون قرارات كهذه باستخفاف، وبدون دراسة أو استشارة أو إدراك للآثار السلبية طويلة الأمد، والتي سيكون بعضها غير قابل للإصلاح.

إننا نحترم خيارات الناس ونعي أنه من غير المنطقي وضع نظام بناء واحد يطبق على الجميع، وندرك أن الأسر المختلفة لها تفضيلات مختلفة تتلاءم مع احتياجاتها وثقافتها وأسلوب حياتها، ومستواها الاجتماعي والمادي، وهذا ما يجب أن تعكسه البيئة العمرانية. ولذ علينا أن نطور آليات التخطيط الهيكلي وأنظمة البناء المنبثقة عنها، وأن تتوفر لدينا مناطق سكنية ذات أنظمة بناء متنوعة وكثافات متفاوتة، تتيح للناس اختيار أين يودون العيش. فلم يعد النموذج الموحد ملائم والبلد أصبح أكثر تعقيداً؛ مما يتطلب أنظمة بناء ديناميكية وفاعلة تخدم تطلعات الناس.

إن هذا القرار أظهر بوضوح الخلل في مؤسسة المجلس البلدي، فلم يعد من المعقول أن يكون للكويت مجلس بلدي ممثل- بستة عشر- عضواً للبت في كافة القرارات البلدية والعمرانية والتي تغطي رقعة جغرافية تضاعفت عدة مرات منذ قيام الدولة الحديثة. وأصبح لزاماً علينا تعديل قانون البلدية وإنشاء بلديات ومجالس محلية تتمتع بصلاحيات كبيرة، ولكنها محدودة ضمن نطاق عمارني واضح.

نأمل أن يسحب القرار وإجراء مراجعة عامة لاستراتيجيات التخطيط الحضري والهيكلي وقوانين البناء في دولة الكويت. وعلى أن تتوافق هذه الاستراتيجية مع أهدافنا الوطنية وأن ترقى لحجم الطموحات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي نواجها.

نسب البناء والرفاه والاستدامة

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 558 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 22 مارس 2021
الرابط الدائم لـِ نسب البناء والرفاه والاستدامة

في عام 2005م أجرت بلدية الكويت تعديلات على نظام البناء، ورفعت نسب البناء، وسمح بإقامة مجموعة من الوحدات السكنية ضمن المنزل الواحد، الأمر الذي عقّد المشكلة الإسكانية فأصبح امتلاك المسكن غير ميسور، فقد تضاعفت قيمة العقارات السكنية في ظل شح الأراضي وقلة البدائل المعروضة.  ومع تهميش الرأي الفني الاحترافي، وتراجع الدور التخطيطي لبلدية الكويت، والانصياع للأصوات الشعبوية التي تنادي بتضخيم المسكن الخاص والتوسّع في نسب البناء وعدد الوحدات، بينما يظن المواطن أنه يحقق مكاسب، إلا أنه في الواقع يضر نفسه ويضر المجتمع على المدى القرب والبعيد.

ولذا ندعو لأهمية إجراء تعديلات على نظام البناء وإن كان ولا بد، فالبدء بتطبيق هذه التعديلات على المناطق السكنية الجديدة؛ للمحافظة على الطبيعة الخاصة للمناطق السكنية، ولما لذلك من آثار إيجابية مباشرة على البيئة العمرانية، وعلى توفير المسكن الميسور لعموم المواطنين.

ويمكن تلخيص فوائد تخفيض نسب البناء كالتالي:

 

إنشاء مدن أصغر تحد من التمدد الحضري العشوائي:

المدن الصغيرة أكثر استدامة، لكونها تحد من التمدد الحضري الذي يستهلك الأراضي الطبيعية، فمن المهم إيجاد نموذج كفء يحقق استغلالاً أمثل للمساحات الحضرية للتقليل من الهدر وتخفيض انبعاثات الغازات الضارة. وعليه فإن تقليص أحجام المساكن يساهم بشكل مباشر في تقليص ظاهرة التمدد الحضري، ويحقق نسباً أعلى من كفاءة استغلال الأراضي.

 

تخفيض تكلفة البنى التحتية:

إن انجراف متخذي القرار في الكويت نحو توسعة المساكن ومرافقها وفق النموذج الحالي الغير مستدام، وإصرار المستفيدين من الرعاية السكنية على المساحات الكبيرة وطرق وأرصفة عريضة تؤدي إلى هدر المساحات ورفع تكاليف إنشاء البنية التحتية. وبالتالي عجز الدولة عن تنفيذ المزيد من القسائم السكنية، وبالتالي تحقيق حل سريع للأزمة السكانية. والمعلوم بأن المشاريع الإسكانية درجت على اتباع كثافات تتراوح بين 8 إلى 10 وحدات في الهكتار.

إن تقليص أحجام المساكن من خلال تقليص نسب البناء سيمكن المخططين من استيعاب أعداد أكبر من المساكن والمساهمة المباشرة في حل الأزمة الإسكانية.

 

تخفيض تكلفة إنشاء المنزل:

من خلال الممارسة العملية في أعمال التصميم والإشراف على تنفيذ مجموعة من المساكن في الكويت، من الملاحظ أن الغالبية العظمى من الملاك يتجهون نحو استغلال كامل النسبة المصرح بها، وبالتالي بناء مساكن تفوق مساحتها 1000 متر مربع من المساحات البنائية، الأمر الذي يكلف الأسرة ما لا يقل عن 150 ألف دينار كويتي، أي ضعف ما يمنح للمواطنين من القرض الإسكاني. وعادة ما يتم سداد الفارق من خلال الاقتراض من البنوك المحلية، الأمر الذي يثقل كاهل الأسر ويحوّل المجتمع إلى مجتمع مدين مما يؤدي لآثار نفسية، واجتماعية، واقتصادية سلبية.

 

تمكين المطور العقاري:

بينما تدرس الحكومة فتح المجال للمطور العقاري للولوج في القطاع الإسكاني، والمساهمة مع المؤسسة لتوفير بدائل إسكانية، إلا أن الشكل الحالي للمنزل الكويتي غير مجدي اقتصادياً، ولكي ينجح المطور العقاري لا بد من تمكينه  لإيجاد منتجات إسكانية متنوعة وذات كثافات أقل، بحيث تكون ذات جدوى وتوفر بدائل تستقطب شرائح مختلفة من المجتمع.

 

الضغط على الخدمات والمرافق:

عند تصميم المناطق السكنية، فإن المخططين والمهندسين يضعون معطياتهم بناءً على التعداد السكاني المتوقع لكل منطقة، والذي يبني على متوسط تعداد الأسرة الكويتية وعدد المنازل، معتبرين بأن المنزل الواحد مخصص لسكن أسرة واحدة، إلا أن الواقع مختلف ومع التزاحم الناتج عن الوحدات التأجيرية يرتفع تعداد المناطق السكنية؛ وبالتالي تتفاقم الكثافات المرورية، ومشكلة المواقف العشوائية، ويزداد الضغط على استهلاك الكهرباء والماء والصرف الصحي، علاوة على الضغط على المرافق العامة من مدراس وخدمات تجارية ومرافق اجتماعية وترفيهية وخلافه.

 

الحد من جاذبية السكن الخاص للاستثمار:

يمكن إيجاد علاقة مباشرة بين ارتفاع نسب البناء والارتفاع الكبير لأسعار العقارات السكنية. فمنذ أن سمح نظام البناء برفع النسب وإنشاء الشقق السكنية، بدأ العقار السكني يستقطب المستثمرين، وأصبح أداة مضاربة وبديل استثماري مجدي، الأمر الذي أوصل الأسعار لمستويات كبيرة، ولم تعد التكلفة في متناول المواطن. لقد أصبح تأجير الشقق والأدوار دارجاً في المناطق السكنية. فقد أتاحت نسب البناء العالية بإقامة عدد من الوحدات السكنية يمكن أن يصل إلى ثمانية ضمن  المسكن الواحد، مما أدى إلى خلل اقتصادي كبير.

 

بناءً على ما سبق، ندعو السادة في بلدية الكويت وأعضاء المجلس البلدي وغيرهم من متخذي القرار، لضرورة دراسة الوضع المتردي لمناطق السكن الخاص، وإعادة النظر في نظام البناء الحالي، وإدراك أهمية تخفيض نسب البناء في كافة المناطق أو ضمن المناطق الجديدة لتحقيق الاستدامة والرفاه.

المدن الجديدة وطرح الأسئلة الصحيحة

مصنف فى :مقالات
  • زيارات : 483 | تعليقات : 0
  • بتاريخ : 18 فبراير 2021
الرابط الدائم لـِ المدن الجديدة وطرح الأسئلة الصحيحة

يصحو المواطن الخليجي، بين فترة وأخرى، على خبر إنشاء مشروع عملاق جديد، مشروع يحمل نفس المضامين والوعود، ويعبر عن ذات الأهداف المكررة، من قبيل إقامة مركز مالي، واستقطاب الاستثمار الأجنبي، وخلق الوظائف، وتدريب الكوادر المحلية، وتحقيق روافد بديلة عن مصدر الدخل النفطي، فمن مدينة الحرير في الكويت إلى مدينة نيوم ومدينة الدقم وأخيراً مدينة اللاين ذات النموذج الفريد.

إن ما يغيب عن مشاريعنا العملاقة هو رأي المواطن، فالملاحظ فيما نراه من المواد الإعلامية التي تسوق لهذه المشاريع، وهي مواد عالية الجودة ومميزة بلا شك، لكنها في مجملها غريبة ومستوردة،  فالمواطن العادي يفاجئ بإطلاق هكذا مشاريع تقدم له الوعود، وتطلب منه المساهمة وتقديم التضحيات، بينما يجد نفسه مُغيب ومُسيّر تماماً.

ومع كل ما تحمله هذه المشاريع من إشارات إيجابية، وما تجذبه من تغطية عالمية، ومحاولات لتحريك المياه الراكدة والخروج من دوامة الرتابة أو تكرار ذات الحلول التقليدية التي أثبتت فشلها، إلا أننا مضطرون أن نطرح مجموعة أسئلة مستحقة لأن مشاريعاً بهذا الحجم لا يجب أن تمر دون دراسة وفحص. ومن المعيب أن تتخذ قراراتها باستخفاف وبصورة مستعجلة وذلك لأن المشاريع الكبرى مكلفة، ولأنها إذا ما فشلت، فمن الصعوبة العودة عنها دون تكاليف اقتصادية، واجتماعية، وبيئية باهظة.

 

  • هل تمتلك دول الخليج رفاهية المخاطرة في مقدرات الأجيال القادمة بمشاريع غير ناضجة ذات مخاطر عالية؟
  • هل تستحق هذه المشاريع القفز للمجهول وإهدار الأراضي البيضاء غير المعمورة (المكلفة بيئيأ ومالياً) وإهمال المشاكل المعقدة التي تعاني منها مدننا وحواضرنا في ظل شح الموارد البشرية والمالية؟
  • هل تستوعب جزيرة العرب ومدن الخليج جذب المزيد من العمالة الوافدة، والسكان، وأفواج السياح، والمستهلكين؟ وهل تم دراسة التكاليف المالية والبيئية الناتجة عن التمدد الحضري والتضخم السكّاني؟
  • ويبقى السؤال: هل فعلاً ستستفيد دول الخليج من هذه المشاريع أم إنها لا تعدو أن تكون سطوراً في سابقة أعمال ككبرى الشركات والبيوت الاستشارية العالمية؟
  • ألا تستحق هذه الاستثمارات الوطنية الكبرى إشراك المواطن في الرأي والمشورة؟

في رأيي أننا نسير عكس التيار، فبينما يتجه العالم نحو الحلول الرشيدة وتعزيز القيمة؛ حيث تكون البيئة أولوية، وإعادة التأهيل هو النموذج، وإعادة التدوير هو المسار، ويدرس بدقة حسابات التكاليف والعوائد. العالم يخطط للأصيل، والصغير، والذكي، والكفوء، بينما مشاريعنا غريبة، وعملاقة، وتقليدية، ومُهدرة.