نسب البناء والرفاه والاستدامة
مصنف فى :مقالاتفي عام 2005م أجرت بلدية الكويت تعديلات على نظام البناء، ورفعت نسب البناء، وسمح بإقامة مجموعة من الوحدات السكنية ضمن المنزل الواحد، الأمر الذي عقّد المشكلة الإسكانية فأصبح امتلاك المسكن غير ميسور، فقد تضاعفت قيمة العقارات السكنية في ظل شح الأراضي وقلة البدائل المعروضة. ومع تهميش الرأي الفني الاحترافي، وتراجع الدور التخطيطي لبلدية الكويت، والانصياع للأصوات الشعبوية التي تنادي بتضخيم المسكن الخاص والتوسّع في نسب البناء وعدد الوحدات، بينما يظن المواطن أنه يحقق مكاسب، إلا أنه في الواقع يضر نفسه ويضر المجتمع على المدى القرب والبعيد.
ولذا ندعو لأهمية إجراء تعديلات على نظام البناء وإن كان ولا بد، فالبدء بتطبيق هذه التعديلات على المناطق السكنية الجديدة؛ للمحافظة على الطبيعة الخاصة للمناطق السكنية، ولما لذلك من آثار إيجابية مباشرة على البيئة العمرانية، وعلى توفير المسكن الميسور لعموم المواطنين.
ويمكن تلخيص فوائد تخفيض نسب البناء كالتالي:
إنشاء مدن أصغر تحد من التمدد الحضري العشوائي:
المدن الصغيرة أكثر استدامة، لكونها تحد من التمدد الحضري الذي يستهلك الأراضي الطبيعية، فمن المهم إيجاد نموذج كفء يحقق استغلالاً أمثل للمساحات الحضرية للتقليل من الهدر وتخفيض انبعاثات الغازات الضارة. وعليه فإن تقليص أحجام المساكن يساهم بشكل مباشر في تقليص ظاهرة التمدد الحضري، ويحقق نسباً أعلى من كفاءة استغلال الأراضي.
تخفيض تكلفة البنى التحتية:
إن انجراف متخذي القرار في الكويت نحو توسعة المساكن ومرافقها وفق النموذج الحالي الغير مستدام، وإصرار المستفيدين من الرعاية السكنية على المساحات الكبيرة وطرق وأرصفة عريضة تؤدي إلى هدر المساحات ورفع تكاليف إنشاء البنية التحتية. وبالتالي عجز الدولة عن تنفيذ المزيد من القسائم السكنية، وبالتالي تحقيق حل سريع للأزمة السكانية. والمعلوم بأن المشاريع الإسكانية درجت على اتباع كثافات تتراوح بين 8 إلى 10 وحدات في الهكتار.
إن تقليص أحجام المساكن من خلال تقليص نسب البناء سيمكن المخططين من استيعاب أعداد أكبر من المساكن والمساهمة المباشرة في حل الأزمة الإسكانية.
تخفيض تكلفة إنشاء المنزل:
من خلال الممارسة العملية في أعمال التصميم والإشراف على تنفيذ مجموعة من المساكن في الكويت، من الملاحظ أن الغالبية العظمى من الملاك يتجهون نحو استغلال كامل النسبة المصرح بها، وبالتالي بناء مساكن تفوق مساحتها 1000 متر مربع من المساحات البنائية، الأمر الذي يكلف الأسرة ما لا يقل عن 150 ألف دينار كويتي، أي ضعف ما يمنح للمواطنين من القرض الإسكاني. وعادة ما يتم سداد الفارق من خلال الاقتراض من البنوك المحلية، الأمر الذي يثقل كاهل الأسر ويحوّل المجتمع إلى مجتمع مدين مما يؤدي لآثار نفسية، واجتماعية، واقتصادية سلبية.
تمكين المطور العقاري:
بينما تدرس الحكومة فتح المجال للمطور العقاري للولوج في القطاع الإسكاني، والمساهمة مع المؤسسة لتوفير بدائل إسكانية، إلا أن الشكل الحالي للمنزل الكويتي غير مجدي اقتصادياً، ولكي ينجح المطور العقاري لا بد من تمكينه لإيجاد منتجات إسكانية متنوعة وذات كثافات أقل، بحيث تكون ذات جدوى وتوفر بدائل تستقطب شرائح مختلفة من المجتمع.
الضغط على الخدمات والمرافق:
عند تصميم المناطق السكنية، فإن المخططين والمهندسين يضعون معطياتهم بناءً على التعداد السكاني المتوقع لكل منطقة، والذي يبني على متوسط تعداد الأسرة الكويتية وعدد المنازل، معتبرين بأن المنزل الواحد مخصص لسكن أسرة واحدة، إلا أن الواقع مختلف ومع التزاحم الناتج عن الوحدات التأجيرية يرتفع تعداد المناطق السكنية؛ وبالتالي تتفاقم الكثافات المرورية، ومشكلة المواقف العشوائية، ويزداد الضغط على استهلاك الكهرباء والماء والصرف الصحي، علاوة على الضغط على المرافق العامة من مدراس وخدمات تجارية ومرافق اجتماعية وترفيهية وخلافه.
الحد من جاذبية السكن الخاص للاستثمار:
يمكن إيجاد علاقة مباشرة بين ارتفاع نسب البناء والارتفاع الكبير لأسعار العقارات السكنية. فمنذ أن سمح نظام البناء برفع النسب وإنشاء الشقق السكنية، بدأ العقار السكني يستقطب المستثمرين، وأصبح أداة مضاربة وبديل استثماري مجدي، الأمر الذي أوصل الأسعار لمستويات كبيرة، ولم تعد التكلفة في متناول المواطن. لقد أصبح تأجير الشقق والأدوار دارجاً في المناطق السكنية. فقد أتاحت نسب البناء العالية بإقامة عدد من الوحدات السكنية يمكن أن يصل إلى ثمانية ضمن المسكن الواحد، مما أدى إلى خلل اقتصادي كبير.
بناءً على ما سبق، ندعو السادة في بلدية الكويت وأعضاء المجلس البلدي وغيرهم من متخذي القرار، لضرورة دراسة الوضع المتردي لمناطق السكن الخاص، وإعادة النظر في نظام البناء الحالي، وإدراك أهمية تخفيض نسب البناء في كافة المناطق أو ضمن المناطق الجديدة لتحقيق الاستدامة والرفاه.