الدور الرابع ونقطة اللا-عودة
مصنف فى :مقالاتلقد كان تفاعل الناس قوياً مع قرار المجلس البلدي؛ للسماح بإضافة دور رابع لقسائم السكن الخاص التي تقل مساحتها عن 400 متر مربع. وقد عبر الغالبية عن استيائهم من هذا القرار، وإدراكهم للآثار السلبية التي ستترتب على إقراره وتطبيقه.
إن قراراً كهذا سيرفع من الكثافة السكانية داخل المناطق السكنية، ويشجع على زيادة تأجير الوحدات في مناطق السكن الخاص؛ وبذلك يعمل على ارتفاع أسعار العقار ومن ثم جعل امتلاك المسكن أكثر صعوبة. عوضاً عن زيادة الضغط على الخدمات العامة والمرافق، وتزايد الازدحام على الطرق الداخلية ومواقف السيارات.
ويجب علينا أن ندرك حجم التشويه الحاصل للبيئة العمرانية في الكويت، فوفق قانون 1985 كانت نسبة البناء للسكن الخاص 120% وبارتدادات كبيرة داخل حدود الأراضي لإتاحة المجال لوقوف السيارات، ثم في عام 1996 تم تقليص الارتدادات وزيادة نسبة البناء إلى 170%، ثم تم اتخاذ قرارا آخر في سنة 2006 لرفع النسبة إلى 210% و 240%، واليوم نحن بصدد زيادة أخرى وبشكل جديد.
ولكن القضية لا تقتصر على إضافة الدور الرابع، فأخشى أننا بلغنا نقطة -اللا-عودة- وأفسدنا نموذجاً عمرانياً كان الأكثر تقدماً بين مدن الخليج العربي. فمن المؤلم مشاهدة متخذي القرار يصدرون قرارات كهذه باستخفاف، وبدون دراسة أو استشارة أو إدراك للآثار السلبية طويلة الأمد، والتي سيكون بعضها غير قابل للإصلاح.
إننا نحترم خيارات الناس ونعي أنه من غير المنطقي وضع نظام بناء واحد يطبق على الجميع، وندرك أن الأسر المختلفة لها تفضيلات مختلفة تتلاءم مع احتياجاتها وثقافتها وأسلوب حياتها، ومستواها الاجتماعي والمادي، وهذا ما يجب أن تعكسه البيئة العمرانية. ولذ علينا أن نطور آليات التخطيط الهيكلي وأنظمة البناء المنبثقة عنها، وأن تتوفر لدينا مناطق سكنية ذات أنظمة بناء متنوعة وكثافات متفاوتة، تتيح للناس اختيار أين يودون العيش. فلم يعد النموذج الموحد ملائم والبلد أصبح أكثر تعقيداً؛ مما يتطلب أنظمة بناء ديناميكية وفاعلة تخدم تطلعات الناس.
إن هذا القرار أظهر بوضوح الخلل في مؤسسة المجلس البلدي، فلم يعد من المعقول أن يكون للكويت مجلس بلدي ممثل- بستة عشر- عضواً للبت في كافة القرارات البلدية والعمرانية والتي تغطي رقعة جغرافية تضاعفت عدة مرات منذ قيام الدولة الحديثة. وأصبح لزاماً علينا تعديل قانون البلدية وإنشاء بلديات ومجالس محلية تتمتع بصلاحيات كبيرة، ولكنها محدودة ضمن نطاق عمارني واضح.
نأمل أن يسحب القرار وإجراء مراجعة عامة لاستراتيجيات التخطيط الحضري والهيكلي وقوانين البناء في دولة الكويت. وعلى أن تتوافق هذه الاستراتيجية مع أهدافنا الوطنية وأن ترقى لحجم الطموحات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي نواجها.