نيـــــــوم …. أسئلة المشروع ؟
مصنف فى :مقالاتمشروع “نيـــوم” الذي أعلن عنه وليُّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي، ضمن حدثٍ كبيرٍ ضمَّ مجموعةَ من أكبر أسماء المال والأعمال في العالم، وتوعَّد بضخ ما يزيد عن خمسمئة (500) مليون دولار، وتخصيص نطاق استثماري في شمال غرب المملكة تبلغ مساحته التقديرية ستة وعشرون ألف كيلو متر مربع ( 26،000 كم)؛ لإقامة مدينةٍ حديثةٍ غير تقليديةٍ تضمُّ أحدث التقنيات الحضرية، ويكون عدد الروبوتات بها أكثر من البشر، وتعمل على تعزيز الاستثمارات في تسعة قطاعات اقتصادية غير تقليديةٍ، كالطاقة، والنقل، والهندسة العضوية، والروبوتات، والمياه، ومستقبل الغذاء، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي.
إنَّ مشروعاً بهذا الحجم العملاق، والذي سخِّرت له تغطيةٌ إعلاميةٌ كبيرةٌ، وعلى الرغم من أنَّ المعلومات التي نشرت عنه تُعدُّ أوليةً، إلا أنَّ القارئ له يجد فيه مجموعةً من المميزات الواضحة، لكنَّه كأيِّ مشروعٍ آخرٍ تحفه المخاطر، وعليه مجموعة من الملاحظات التي يجب أن يلتفت لها، وأبدأ بسرد مميزات المشروع:
– المشروع يتميز بأنَّه يحمل فكراً إبداعياً غير تقليديٍّ.
– من أهمِّ ميزات المشروع أنَّه يتبع أسلوب الشراكة مع دول الجوار، والذي يعزز الإمكانات ويستفيد من التكامل الاقتصادي مع جمهورية مصر العربية والمملكة الهاشمية الأردنية.
– موقع المشروع يستهدف منطقة شمال غرب المملكة العربية السعودية والتي لم تنل قدراً كافياً من التنمية.
– عرض المشروع بالاستعانة بخبراتٍ عالميةٍ ذات أسماء لامعة، الأمر الذي يهدف إلى كسب ثقة المستثمرين بالمشروع.
– الإعلان عن دعمٍ حكوميِّ كبيرِ بلغ نصف تريليون دولار؛ ليكون القاعدة التي ستجذب المستثمرين الأجانب.
– تبني ولي العهد السعودي لهذا المشروع، وتسويقه شخصياً، والحديث عنه ارتجالياً، وبإلمامٍ وبحماسة ٍ، له دورٌ كبيرٌ في تعزيز ثقة الشعب السعودي والعالم بهذا المشروع.
– التأكيد بأنَّ المشروع أحد نتائج رؤية المملكة 2030.
– إنَّ المشروع اقتصاديٌّ، لكنّه مصاحبٌ لتغيرات الرؤى الفكرية والاجتماعية والثقافية التي كانت سائدةً في المملكة العربية السعودية.
– المشروع يسعى لاستثمار الموقع الجغرافي للمملكة العربية السعودية، وإبراز قدرتها على أنْ تكون مركزاً تجارياً واقتصادياً يربط بين قارات العالم.
أمّا أبرز الملاحظات على المشروع فهي كما يلي:
– ما زال القرار في العالم العربي فردياً، ونابعاً من رؤية القيادة، وهذا بلا شك أمر سلبيٍّ؛ لأن القرارات الاقتصادية الكبيرة يجب أنْ تبني على مشاركةٍ شعبيةٍ واسعةٍ؛ حتى تستفيد من الرؤى والخبرات المحلية؛ وحتى تنال الدعم الشعبي اللازم لنجاح أيّ مشروعٍ قوميٍّ بهذا الحجم، فالأموال وحدها لا يمكنها أن تنشئ المدن العظيمة، وإنما تحتاج بِنى اجتماعية وثقافية قائمة على العدل والمساواة والمشاركة السياسية وحرية التعبير.
– من عيوب المشروع أنَّه يُقام على أرضٍ بكر، وهذا حلٌّ غير مستدامٍ، وغير صديقٍ للبيئة، يرى الكثير من القادة أنَّ الحل دائماً هو الهروب من المدن القائمة ومشاكلها.
– لقد أعلن الأمير محمد بن سلمان بأنَّ مشروع (نيــوم) هو مشروع رأسمالي، وقد يكون أول مدينة يضع تشريعاتها رجال الأعمال، وبغضِّ النظر عن مميزات هذا التوجه، إلا إنَّ التخطيط الحضري نشاطٌ حساسٌ، ويجب أن تأخد الدولة دوراً كبيراً ورئيسيًّا به؛ لحفظ حقوق عامة الشعب وحماية الأرض والبيئة، أمّا إذا تُرك للشركات الكبرى العابرة للقارات، فإنَّ ذلك قد يعرض المدينة والساكنين لمخاطر كبيرةٍ.
– من يقرأ حيثيات المشروع يرى أنَّه مشروعٌ (عولمي)، ويفتقر للروح السعودية الغنية القادرة أن تضفي عليه تميزاً خاصاً.
– المجتمع السعودي غنيٌّ بالمبدعين، ورجال الأعمال، والمهندسين، والمبتكرين، إلا أنَّ عرض المشروع لم يقدِّم وجوهاً سعوديةً، الأمر الذي كان من الممكن أن يعزز من قيمة المشروع ويعطي للإنسان العربي والسعودي فرصةً لإثبات الذات.
اليوم نتطلَّع لمتابعة خطوات إقامة هذا المشروع الحلم الكبير، والذي نأمل أن يرى النور، ويحقق النجاح، وأن يعود بالخير على المنطقة بأسرها.
و قد تعترينا بعض الشكوك المبررة، لأنَّ مشروعاً بهذا الحجم، تُضخ به استثماراتٌ مهولةٌ في أوقاتٍ عصيبةٍ حيث تنخفض أسعار النفط، وتعاني دول المنطقة من عجزٍ ماليٍّ، علاوة على التحديات السياسية التي تحيط بالمنطقة، أضف إلى ذلك حمّى إنشاء المدن الجديدة، والتي لم يكتب لها النجاح كمدينة الحرير في الكويت، والعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية في جدة.